تأملت في كيفية وقوع العبد في المعصية، فوجدت أن هناك أسباب تسبقها، وقوة تجذب إليها، وعاقبة تأصل معاني الإذلال في نفس مقترفها!!
فركزت فكري في أعماق تلك القوى الخفية الواقفة وراء ذلك الوهم المسمى باللذة الكامنة في طيات المعصية والتي تخور أمام سلطانها قوى الكثير من العباد، فيقعون في اقترافها دون مبالاة بالعواقب (ولو لفترة زمنية محدودة!!) فوجدت من الأسرار عجبًا!!
وجدت أن هناك مراحل ثلاث، يمر بها العبد العاصي، وهي:
المرحلة الأولى:
تتمثل في أنسجة خفية، لا يمكن للشيطان بدونها السيطرة على قلب ومشاعر العبد والوصول به إلى تلك الحالة من ذروة السكرة بلذة المعصية، وإسقاطه تحت تأثيرها، في حالة استسلام أشبه ما تكون بحالة السُّكر الذهني!!
المرحلة الثانية:
تتمثل في ذلك الحادي الذي يتعمد أن يكون يرفع صوته فوق كل الأصوات التي تجول في نفس العبد؛ كيما يسهل عليه قيادته منفردًا حيث شاء، ليصل به إلى عالم من الأوهام، يمنحه فيه الطاقة الذهنية والنفسية على أمل بلوغ قمة عالية من اللذة (الوهمية) حتى يتأكد من ولوجه الفعلي في مستنقع المعصية!!
المرحلة الثالثة:
وهي المرحلة التي تعقب اقتراف المعصية، حيث يعمد فيه الشيطان لإحداث فجوة عميقة في قلب العبد؛ من خلال قوة سحب طاردة لكل أسباب التوازن والسيطرة على المشاعر والتفاعلات، بل حتى الاستذكار أو الاسترجاع؛ بقصد إحداث شرخ واضح، وخلل كبير في توازن النفس، وإشعارها بهوة سقوط كبيرة؛ للسيطرة عليها بمشاعر الإذلال بسبب الوقوع في ذلك الخسران!!
ولمزيد من الإيضاح، فإن المرحلة الأولى تتمثل في استرسال الذهن، وتسليم زمامه كاملًا للشيطان على حين غفلة من العبد، فيسرح به يمنة ويسرى حيثما شاء!! ثم تزداد قوة ذلك الاسترسال تأثيرًا على نفس العبد، كلما أطلق لها العنان في الاستقواء بالمزيد من مثيرات نوازغ الشر في نفسه البشرية؛ كإطلاق النظر أو السمع أو كثرة المخالطة، مما يهيئ لها فرز المزيد من تلك الأنسجة الخفية، التي تقيده بسياج من التخدير والسرحان في أجواء المعصية دونما شعور، كيما تحدث لديه التهيئة الحافزة لكي يخطو أولى خطواته نحو المعصية وهو لا يدري!!
أما ذلك الحادي المتمثل في المرحلة الثانية، فهو ذاك الذي يشغل مساحة التفكير كاملة، بحيث لا يعطي الفرصة لسماع غيره من الأصوات، التي قد توقظ في قلب العبد حقائق الإيمان؛ فتصرفه عن الوقوع في تلك المعصية، إذ يعمد لملئ الدنيا بضجيج لذة هذه المعصية، حتى لا يكاد يرى العبد على مساحة آفاق فكره وسمعه وبصره غير ما يأمل من لذتها؛ فيقع فيها؛ محققًا للشيطان مأربه!!
فإذا حدث ذلك انقشعت عن النفس جميع ما نُسج حولها من شباك الخداع!! وما عاشت فيه من الأوهام!! واستيقظت على تلك الحقيقة المفجعة لملامستها قاع المستنقع!! فيضرب الشيطان طبول النصر فوق أطلال ساحة ذلك الصراع الذي انتهت فيه الجولة بهزيمتها؛ كنوع من تأصيل ذلها بالمعصية، وتأكيدًا على خسارتها لتلك الجولة!!
لذا فقد قال قائل السلف الصالح: (ألا رب شهوة ساعة أورثت ذلًّا طويلًا!!).
وقال آخر:
رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذل إدمانها
إن لذة المعصية لا تعدو كونها وهمٌ نسج الشيطان حوله هالةً من الأوهام، فتلاشيا معًا بمجرد اقتراف العبد لها، ليذيقاه تجرع الآلام!! فلا وهم سعادتها له بقي، ولا السلامة له من شرها دامت!!
ففكر ثم فكر ألف ألف مرة قبل ولوج مستنقعها، وإذا أردت في أن تصيب شيطانك في مقتل، وتلحق به خسارة فادحة، تجعله يتردد ألف مرة على إثرها؛ كلما هم بإيقاعك في المعصية، فاعمد إلى القيام بطاعة تتلمس حلاوتها تقربًا إلى الله؛ كلما دعتك نفسك لاقتراف المعصية أملًا في لذتها!!
فإنك بذلك سوف تجعل شيطانك يخشى من مجرد الوسوسة مكررًا بتلك المعصية؛ خوفًا من أن تقلبها عليه طاعة!! فتكون المثوبة هي البديل للإثم، والتلذذ بحلاوة الإيمان بديلًا عن لذة تلك المعصية!!
الكاتب: أبو مهند القمري.
المصدر: موقع صيد الفوائد.